Translation
فلسفة الأنا والأنا الآخر
للوعي الإنساني لحقيقة التماثل والإختلاف
الإنسان كلمة تدل على كل شخص ينتمي إلى النوع البشري في عائلة في مجتمع . وأما في واقع الحياة فإنه لا وجود للإنسان إلاّ من خلال كل فرد من أفراد النوع البشري . ولا وجود لأيّ شخص إلاّ في حالة أنا . وكل إنسان هو إحدى احتمالات الإنسان من بين جميع الاحتمالات البشريّة المختلفة ، وكل فرد بشري من هذه الإحتمالات هو إنسان ما .
ولا وجود لأي إنسان ما إلاّ في حالة أنا إلاّ في حالة اختلاف . وكل إنسان هو إنسان فريد مميّز بخصائصه الشخصية التي لا تتكرّر في أيّ شخص آخر بسبب اختلاف التربية العائلية والظروف والأوضاع والأحوال المختلفة التي تتنوّع وتختلف من شخص إلى آخر في العائلة الواحدة ، وبين عائلة وأخرى في نفس المجتمع ، وبين مجتمع وآخر في نفس البلد ، وبين مختلف البلدان على سائر الكوكب .
فإن الإختلاف بين البشر هو انعكاس إلى واقع الإختلاف والتنوّع في واقع الحياة . فإن جميع البشر ليسوا من عائلة واحدة ، وليسوا من جنس واحد ، ولا من عمر واحد ولا من مجتمع محلّي واحد ، وليس لديهم نفس المستوى العلمي والمعرفي والثقافي ولا نفس التخصص العلمي ولا نفس المهنة ولا نفس المركز المهني .
وبالرغمن من هذا الإختلاف الذي يلاحظه كل إنسان في واقع التنوع والإختلاف ، فإن البشر متماثلين في الجوهر الإنساني الذي هو نفسه في كل إنسان . بحيث أن كل إنسان هو الأنا الآخر لكل إنسان آخر .
منذ اللحظات الأولى لتكوين الجنين في رحم أمه فإنه يتكوّن من نفس البنية العضوية التي تتكوّن من معطيات وراثية نوعيه مشتركة بين جميع الكائنات البشرية وتشترك في بعضها مع جميع الكائنات الحية من غرائز وحاجات وآليات غريزية حيوانية لتحقيق الحاجات التي بها تستمر الحياة الفردية والجماعية ، ومعطيات وراثية من الأبوين وما يتصل بهما من معطيات وراثية تعود إلى الأجداد . وإن هذين النوعين من المعطيات يشكلان أساس التشابه بين البشر في إطار القاسم المشترك العضوي النوعي ، والإختلاف في المكوّنات الشخصية لكل مولود بشري . وبسبب الدماغ البشري المتطوّر بالنسبة لأدمغة الحيوانات ، فإن في المولود البشري يولد وعنده القابليات والإستعداد لاكتساب العقل والقدرة على ضبط الغرائز و للتحرر من الأنانية التي يولد عليها كل مولود بشري ، ليكتسب الوعي الإنساني ومقومات الشخصية الإنسانية إذا تربّى تربية إنسانية توجّهه إلى الحب الإنساني لجميع البشر من منطلقات إنسانية وعلى أسس ومبادئ إنسانية ليكون مؤهلاً للتعامل الإنساني مع كل إنسان على أنه أناه الآخر .
من خلال التربية والتعلّم و يتمحور حول أناه بدون أن يعي ذلك ، وإنما بآليات غريزية . وفي المراحل المبكرة للطفولة فإن كل إنسان يدرك نفسه ويعي أنه أنا بالنسبة لنفسه بطريقة تلقائية عفوية ، بينما هو لا يدرك أن غيره أيضاً هو أنا آخر بالنسبة له وأنه أنا آخر بالنسبة لغيره . وبدون وعي إنساني فإن أيّ إنسان ناضج لا يعي ذلك بدون وعي إنساني يرفع مستوى وعيه بأناه إلى مستوى جديد لكي يعي أناه الآخر . بينما يتداول كل إنسان في واقع العلاقات العفوية الأنانية كلمة أنا للدلالة على نفسه ، وكلمة هو أو الآخر للدلالة على كل إنسان سواه . بينما في واقع الحياة المشتركة فإن من الضروري أن يدرك كل إنسان أنّ كل إنسان آخر هو أنا آخر لكل إنسان سواه ، وأنه احتمال بشري لسواه مثلما كل إنسان هو احتمال بشري لغيره أيضاً .
ولانه لا إمكانية لوجود الإنسان إلاّ مع الإنسان الآخر ، ولا وجود للحياة البشرية إلاّ في التعايش بين كل إنسان وإنسان آخر في دوائر التعايش المشتركة من الأسرة إلى المجتمع الكوكبي ، فمن الضروري أن يتجاوز أيّ إنسان مرحلة علاقته بالإنسان الآخر على أنه الآخر الغريب ، وأن يدرك بوعي إنساني وبرؤية إنسانية وبمنطق إنساني أن البشرية هي جميع احتمالات الإنا لكل إنسان ، وأن كل إنسان بالنسبة لكل إنسان آخر هو أناه الآخر الذي هو احتماله البشري في جسد آخر وفي ظروف أخرى .
وطالما أن البشر جميعاً يوجدون معاً في مجتمع كوكبي واحد ومشترك ، فلا يمكنهم أن يتعايشوا معاً إلاّ على أساس رؤية إنسانية مشتركة . لأنه لا يمكن لأيّ فريق بشري في أية عائلة ولا في أيّ مجتمع ولا في أيّ دين ولا في أيّ حزب سياسي أن يسيطر على الآخرين ويفرض عليهم بالقوة أن يكونوا متشابهين معه ، فإنه لا يمكن للبشر في المجتمع الكوكبي الذي يعيش فيه كل البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم وعقلياتهم وعاداتهم ولغاتهم المختلفة .
فإن التعايش الإنساني المبني على القيم والمبادئ والأسس الإنسانية هو البديل الملائم للمجتمع الكوكبي عن الواقع الأناني الفوضوي العشوائي الذي عاشته البشرية منذ بداياتها السحيقة والذي شكّل التاريخ الدموي الوحشي للصراع بين الأنانيات بأشكال مختلفة وتحت عناوين وأقنعة مختلفة ، خلال مختلف مراحل التاريخ وحتّى اليوم .
ومن العشوائية والفوضوية في التعامل الأناني ، هو عدم تأهيل الإنسان لكي يكون جديراً للتعامل مع الإنسان الآخر بالحب والإحترام وبمراعاة متطلبات السعادة والأمان لكل إنسان . ولا إمكانية لاستمرار الإنسان مع الإنسان الآخر في سلام وتعاون وتضامن من أجل الحياة المشتركة إلاّ بوعيه الإنساني للانا وللأنا الآخر ، لتحقيق السعادة الإنسانية لجميع البشر في حياة مشتركة تتوافق فيها مختلف احتمالات الإنسان على أهداف إنسانية مشتركة تحقق الخير لجميع البشر ، ولوضع حدّ للتنافس الأناني الحيواني البشري الذي يحوّل أماكن التعايش المشتركة إلى ساحات صراع وحروب مدمّرة من أجل الأطماع الأنانية التي تدفع كل شخص بدوافع أنانية حيوانية في مواجهة الأنانيين الآخرين لتحقيق ذاته الأنانية الحيوانية مثلما يفعل أيّ حيوان آخر .
إن الإنسان يولد كائناً حيوانيّا بدماغ بشري يمنحه الذكاء الغريزي السلبي المعادي للآخرين
، ليتنافس مع الآخرين في صراع أناني وحشي بين حيوانات بشرية ذكيّة تشكل أقوى الأخطار المدمّرة على الوجود البشري في كل مجتمع . وبسبب هذا الذكاء الأناني السلبي فإن كل إنسان يجد نفسه مندفعاً بآليات عدوانية نحو كل من يختلف عنه بمبررات تتطوّر وتتعقّد وشتكل ثقافة الصراع الأناني . ولكن المجتمعات الحديثة لم تعد تتحمّل الوعي البدائي الأناني وممارسة تطبيقاته الوحشية المدمرة . وخاصة وأنه لا وجود لأي مجتمع إلاّ في واقع التنوّع والاختلاف بين كل أنا وأنا آخر . فكيف يمكن لكل إنسان أناني أن يتقبّل الحياة مع من ينافسه على كل ما في الحياة ؟ دون أن يدري أن في هذا التنافس دليل على أن للبشر نفس الحاجات بينما الإختلاف هو في أوهام الأناني بأفضليته على كل من عداه من الناس . بينما هذا الإختلاف ما هو إلاّ التنوع و في الأحوال والظروف والأعمار والأجناس والإمكانيات والمؤهلات … ولكي لا يتحول الإختلاف إلى خلاف ، فلا يمكن لأية علاقة إيجابية أن تقوم بين شخصين أو مجتمعين أو أكثر، إلاّ بتبادل العلاقات على أساس وحدة جوهر الإنسان في كل احتمالات الأنا التي تتمثّل في كل واحد من البشر. وذلك من خلال الرؤية الإيجابية إلى واقع الإختلاف، والفهم العاقل لأسبابه، والتسامح المتبادل بين الأنا و الأنا الآخر المختلف. ومن أجل ذلك ، فلا بد من رؤية إنسانية مشتركة ، تنطلق من التوافق المشترك على المساواة المطلقة في القيمة الإنسانية وفي الكرامة الإنسانية وفي الحقوق الإنسانية بين كل أنا وأنا آخر في كل مجتمع وفي كل بلد فوق الكوكب بأسره .
وعلى أساس تلك الرؤية ينبغي التعامل والعمل المشترك بين الناس من خلال الحوار والمعاقلة، لتحويل الخلاف من ردود أفعال عفوية وتأثيرات محلية قسرية ومواقف متضاربة تهدد المصالح المشتركة بينهم ، إلى خيارات عاقلة وخلاصات حوارية عن وعي وإدراك ، من خلال الحوار والإقتناع الحر على ضوء منطق الصواب والحق والخيرالعام، ومراعاة قيم الحضارة المدنية وحقوق الإنسان .
فإن القضية الفلسفية لجوهر الإنسان كمفهوم دالٍّ على كل واحد مناّ، هي جوهر القضية لحياة كل إنسان منّا في بعديه الفردي والجماعي، وفي الإطار العام لجميع بني الإنسان على الكوكب بأسره.
إذن فالناس ليسوا منقسمين في الأديان ولا في الأحزاب ولا في البلدان. وإنما هم منقسمون بين من يعي ومن لا يعي حقيقة جوهر الإنسان . وهم مختلفون بين إنساني يتقبّل وأناني لا يتقبّل منطق الإنتماء إلى جوهر الإنسان .
وكما أنه ليس للكراهية وطن ، كذلك للمحبة في كل بلد ومجتمع أتباعها.وفي المجتمع الواحد يوجد من يتقبل هذه الحقيقة، وفيه الأناني المتعصّب لأنانيته ضد حقوق الآخرين عن وعي وقصد ومصلحة شخصية ، ومنهم الأناني بالغريزة وهو الذي يجهل حقوق سواه.
وفي انتشار البشر على أرض الكوكب ينتشر نفس هذا الإنقسام.
وبالرغم من تفاوت درجات التميّز والإختلاف والتنوّع بين البشر، فهم متشابهون في جوهر الأنا. ولأنهم كذلك فهم مختلفون.
وهم متشابهون في حاجاتهم وفي رغباتهم . ولأنهم كذلك فهم مختلفون. لأن جميع الناس بحاجة للماء ، فعلى الماء هم يختلفون.
ولأنهم متشابهون في حاجتهم للمال ، فعلى المال هم يختلفون. إنّ في اختلافهم لذوي العقول دليل تشابههم. وفي تشابههم أسباب خلافاتهم.لأنه على العشب لا يختلف الهرّ والحمَل. وإنما على اللحم يختلف ذوو الأنياب.
Copy right © Mohammad Eldaou | humanistcenter |